لقد مرّ علينا اليوم الوطني بلا شيءٍ يذكر عدا تلك التصرفات غير اللائقة واللامسؤلة التي رأيتها -كما رآها غيري- من بعض شبابنا في كورنيش الخبر، ولا أظن أن كورنيش الدمام كان أحسن حالاً.
لقد أصبح –للأسف- مساء اليوم الوطني كأي مساءٍ يفوز فيه منتخب المملكة لكرة القدم!! فصار مناسبة ً يجتمع فيها الشباب للتعبير عن حبهم وفرحتهم بأشكالٍ هستيرية مستنكرة بل ومستقبحة في بعض صورها.
لن يكون مقالي انتقاداً أو تنديداً لتلك التصرفات الخارجة عن حدود الذوق والأدب، فقد كـُتب الكثير عن ذلك في الجرائد أو منتديات الإنترنت.
ولن يكون إنكاراً لأصل المسألة وهو حب الوطن والشعور بالفخر والاعتزاز في مثل هذه المناسبات الوطنية فهذا حب فطري قبل كل شيء.
كما أن المقال ليس موجهاً لأولئك الشباب لسببٍ بسيط.. أنهم لا يقرؤونه!!
ولكني أطرح سؤالاً علـّه يحرك مياهاً راكدة عند من يقرؤون..
سؤالي –والذي أرجو أن يكون مشروعاً- لماذا تغيب عن مجتمعنا مظاهر الفرح والاحتفالات الرسمية في هذه المناسبة فتمرّ مرور الكرام كما يقال دون الشعور بها إلا من خلال تلك المسيرات الشبابية المنفلتة والاختناقات المرورية في الشوارع الرئيسة والأخرى المغلقة؟
أرجو أن لا يأتي أحد و يعترض بحجة أنه ليس للمسلمين إلا عيدا الفطر والأضحى وأن هذا من البدع المحدثة أو من باب التشبه بالكفار في أعيادهم ومناسباتهم!!
وأعتقد أن الفرق واضح بين أن يكون لليوم الوطني بهجته وفرحته وخصوصيته أو أن يكون عيداً للمسلمين!! فكما هو معلوم للصغير قبل الكبير أن للعيدين شعائر تختص بهما دون غيرهما من سائر الأيام كصلاة العيدين و حرمة صومهما و سُنّة الأضحية وليس في اليوم الوطني شيء من ذلك البتة.
أما بدعيته فهذا من التعدي، فليس كل جديد أو أمر مستحدث هو بدعة وكل بدعة ضلالة!! ولكن البدعة كما قال بذلك علماؤنا الأجلاء هي ما أستحدث من الأمور التعبدية التي لم ترد عن نبينا عليه السلام، فهي داخلة ضمن دائرة العبادات وليس العادات أو المعاملات.
أما التشبّه بالكفار فهو الشماعة التي نعلـّق عليها رفضنا لكل ما لا نريد تقبّله دون دليل عندنا!! وننسى أن ذلك التشبّه مرفوض فيما كان من خصوصياتهم دون غيرهم، وأعتقد أننا في زمن العولمة والقرية الكونية الواحدة قد ضاقت دائرة “ما يخصهم دون غيرهم” كثيراً..
عوداً على سؤالي، فإنني أطالب بلديات المناطق بمشاركة فاعلة في هذا اليوم من خلال تعليق يافطات تهنئة للشعب الكريم وقيادته الحكيمة بهذه المناسبة وتزيين أعمدة الإنارة على الطرقات الرئيسة كما هو الحال في الأعياد و إعداد برامج ترفيهية في الحدائق العامة وما إلى ذلك مما هو ضمن اختصاصهم.
كما أدعو إلى إقامة الاحتفالات الرسمية والشعبية بحضور أمراء المناطق و أعيان المنطقة وخصوصاً أنه ومن العام القادم لن يوافق اليومُ الوطني شهرَ رمضان الكريم ذا الخصوصية والطابع الروحاني.
وكذلك المجمعات التجارية الكبرى مطالبة بالمشاركة من خلال إقامة برامج ترفيهية بتلك المناسبة لرواد المجمعات.
وعلى صعيد آخر فأرجو أن يكون للوالدين والمدرسة والإعلام وأصحاب الرأي تأثير ومشاركة في غرس معان ٍ إيجابية لـ “حب الوطن” وأنه ليس علماً ألوّح به من نافذة السيارة أو عصابةٍ أربطها على رأسي أو لونين أصبغ بهما وجهي !!
ولكنه أعمق من ذلك كله ..
إنه بذل الوسع و حسن أداء الدور المنوط بي كمواطن أو حتى مقيم أتفيء من ظلال هذا الوطن..
فمن كان يحب وطنه فليتعلم إن كان طالباً ويبدع في تخصصه ويجتهد فيما قد نصب نفسه له ليرفع اسم بلاده في المحافل العلمية المحلية والدولية.
ومن كان يحب وطنه فليحسّن من أدائه إن كان موظفاً –بغض النظر عن موقعه- و ليؤدي أمانته.
ومن كان يحب وطنه -ممن آتاهم الله من فضله- فليسهم في نهضته الصناعية والاقتصادية والعمرانية من خلال المشاريع التي تنهض به وتخدم أهله.
يطول الكلام ويطول … كيف لا وهو عن الوطن وللوطن.
وبدلاً من اجترار حديثنا في كل سنة من شجبٍ واستنكارٍ لما يقوم به شبابنا مساء 23 سبتمبر، أرجو أن يكون الحديث العام القادم إشادة بالبرامج التوعوية والترفيهية في اليوم الوطني.
